الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وظاهر كلام الخرقي أن الرجعية محرمة لقوله: " وإذا لم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا؟ فهو متيقن للتحريم, شاك في التحليل " وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا وهو مذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك وقال القاضي: ظاهر المذهب أنها مباحة قال أحمد في رواية أبي طالب: لا تحتجب عنه وفي رواية أبي الحارث: تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة, وله أن يسافر بها ويخلو بها ويطأها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات, فأبيحت له كما قبل الطلاق ووجه الأولى أنها طلقة واقعة فأثبتت التحريم, كالتي بعوض ولا خلاف في أنه لا حد عليه بالوطء ولا ينبغي أن يلزمه مهر سواء راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر, كسائر الزوجات ويفارق ما لو وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين إسلام المسلم الأول منهما وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه, فأشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسألتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب: إذا أكرهها على الوطء, وجب عليه المهر عند من حرمها وهو المنصوص عن الشافعي لأنه وطء حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطء البائن والفرق ظاهر فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجته, وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطء وأحكامه بعيد. قال: [وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث] أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها فإن طلقها ثانية, فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان, وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى. قال: [ولو كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها, ما لم تضع الثاني] هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى: إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة, ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها؟ فيه روايتان ذكرهما ابن حامد إحداهما, لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك وهذا ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في العدة: فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة, أبيحت للأزواج وهذا قول كثير من أصحابنا وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود, وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروى نحوه عن أبي بكر الصديق, وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء وروي عن شريك: له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة, ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعا ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل, وكذلك هذا والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير, والأوزاعي واختاره أبو الخطاب لقوله تعالى: إذا تزوجت الرجعية في عدتها, وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطء الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في عدة الحمل؟ يحتمل وجهين: أولهما أنه له رجعتها لأنها لم تقض عدته, فحكم نكاحه باق يلحقها طلاقه وظهاره وإنما انقطعت عدته لعارض, فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه وتبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته, فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها والوجه الثاني ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته, فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول, وله ارتجاعها حينئذ وجها واحدا ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به, فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضا فإن له رجعتها في حيضها, وإن كانت لا تعتد بها وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها من الثاني إذا راجعها في هذا الحمل, ثم بان أنه من الثاني لم يصح وإن بان من الأول احتمل أن يصح لأنه راجعها في عدتها منه, واحتمل أن لا يصح لأنه راجعها مع الشك في إباحة الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة يبطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات, فإن كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ ولو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته, وارتفع حدثه فهنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان أن الحمل من الثاني صحت رجعته, وإن بان من الأول لم تصح الرجعة لأن العدة انقضت بوضعه. قال: [والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا إني قد راجعت امرأتي بلا ولى يحضره ولا صداق يزيده وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى, أنه تجوز الرجعة بلا شهادة] وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضي المرأة, ولا علمها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة إمساك لها واستبقاء لنكاحها, ولهذا سمى الله - سبحانه وتعالى - الرجعة إمساكا وتركها فراقا وسراحا فقال: وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول لقوله: المراجعة أن يقول وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه, فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول, فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذه إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية, تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد, والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين, وعطاء وطاوس والزهري, والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي قال بعضهم ويشهد وقال مالك وإسحاق: تكون رجعة إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطء, كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله, كوطء البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وذكر أبو الخطاب أننا إذا قلنا: الوطء مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها وإن قلنا: هو محرم لم تحصل الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل, كوطء المحلل. فأما إن قبلها أو لمسها لشهوة أو كشف فرجها ونظر إليه, فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجعة وقال ابن حامد: فيه وجهان: أحدهما هو رجعة وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يستباح بالزوجية, فحصلت الرجعة به كالوطء والثاني أنه ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة, كالنظر فأما الخلوة بها فليس برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية, ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أنه لا تحصل الرجعة بها لأنها لا تبطل اختيار المشتري للأمة, فلم تكن رجعة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس لغير شهوة, والنظر لذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبه الحديث معها. فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه: راجعتك, وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة, فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه: فإن قال: راجعتك للمحبة أو قال: للإهانة وقال: أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك, أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها وإن قال: أردت أنني كنت أهنتك أو أحبك, وقد رددتك بفراقي إلى ذلك فليس برجعة وإن أطلق ولم ينو شيئا صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون بيانا لسببها, ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي. ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح, ولو قال: راجعتك إن شئت لم يصح كذلك ولو قال: كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح كذلك ولأنه راجعها قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال: إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط. فإن راجعها في الردة من أحدهما, فذكر أبو الخطاب أنه لا يصح وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح, ولأن الرجعة تقرير النكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما وقال القاضي: إن قلنا: تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا: لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة, إن أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأننا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة, كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار أبي حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما. قال: [وإذا قال: قد ارتجعتك فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها ما ادعت من ذلك ممكنا] وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في مدة يمكن انقضاؤها فيها, قبل قولها لقول الله تعالى:
|